أُمْ حَــسَـــنْ


انا طفل ذو الاربع أعوام ...مازلت على بداية الطريق..أتعلم ..أكتشف..فضولي يسبق تفكيري ..بصري يرسل لي إشارات لغوية..ومسامعي تترجم لي ذبذبات عصبية..و في معمعة الفضول يقع ناظري على قطع الخرز الصفراء...تلتوي بمهارة و باتقان حول ابهام جدي ...وتتمايل تناغما بين مسافات أصابعه...
ارتبطت هذه الخرز في مخيلتي باكتمال الرجولةو عنفوان المعرفة...تلك الخرز شكلت بتناسق تام ما يسمى بمسباح الكهرمان


بحكم سني الطفولي كنت مولع بكل مهارة جديدة... فرز الخرز بين الأنامل..حبه تلو الأخري..أصبحت اهتمامي الأول.. فنون كثيرة علي أن أتقنها قبل أن أجد طريقي في فن التسبيح..


أراقب عن كثب..

أبدي انصياغ تام

اهتمام شديد..

فضول يشدني لأتقن هذه المهارة..

وكانت هذه بداية حياتي مع مسباح الكهرمان...




أناملي صغيرة ..بالكاد تستطيع أن تمسك خرزة واحدة..
إنها ثقيلة..صعبة..أصعب مما تخيلت....
أقضي الساعات أفرز تلك الخرز بين اناملي النحيلة...احاول تمريرها بين أصابعي..
قبضة يدي بالكاد تمسك بربع المسباح...حاولت مرارا و تكرار حتى سئمت المحاولة..
.و لكن في كل مرة عبق رائحة المسباح... تلك الرائحة المميزة يشدني ...
فما إن أنجح بفرز حجر واحد حتى تزداد راحة يدي عبقا من رائحة الكهرمان...وهذا ما جعلني أواصل المحاولة ....أن تتلطخ يداي بذاك العبق


كبرت ..وكبر شغفي لهذا المسباح..حتى أصبح خادما بين أصابعي ينصاع مطاعا ..


....أتقنت فنون التسبيح وانا ذوعشر أعوام....




سئمت و مللت.. بدأت أسبح كعادة و ليس كهدف..مسباح يدي أصبح من كماليات حياتي....فلا حاجة لي للقلق فانا للصنعة متقن.....أنا الآن قادر على أن أمسك بهذا المسباح بقبضة يدي ..بقبضة رجل واحد..

أزهو بالمسباح زينة تلف معصمي...لم تعد اناملي تلك الصغيرة ..
أتباهى بما في يدي.....هو لي رمز الرجولة و اكتمال العبادة



و على غفوة .....

قطعت أناملي -تلك من حفظت هذا المسباح- لنصفين...........و تناثرت حبات مسباحي


بلحظة أيقنت ان رائحة الكهرمان لن تعطر يداي أبدا..وأن شموخ الرجل سيبقى أسيرا لمسباحه ما دام سمح لتلك الحبات ان تتوسد القاع. و تطأها الأقدام


سارعت مسابقا ألملم شتات الأحجار..اجمعها من بعد سقوطها..حبة حبة....واحدة تلو الأخرى

خشيت أن أفقد ما كان في يوم هو ملكي ..في قبضتي ..وبيدي...خادما منطاع لأوامري

و بكل حجرة أجمعها أتذكرت تلك الأيام ..تلك الساعات...التي كنت أقضيها اتعلم و اتعلم وحدي بصحبة هذه الأحجار .. أنشد ماكنت انا عليه وما وصلت إليه الآن..

هاهي حبات الخرز في قبضتي مرة أخرى ..خرزة خرزة....عددها عشرون..جمعتها هنا بعد أن نثرتها.. و كدت أفقدها...انها في يدي ..بقبضتي..لن أسمح لها بأن تسقط و تضيع من بين أناملي مرة أخرى

تعلمت أن أجعلها تطيع اناملي والآن سأتعلم كيف أن أصنعها من بقايا
----------------------------------------------------------------------------------------------
"Better never to have met you in my dream than to wake and reach for hands that are not there"
0 Responses